فصل: حوادث سنة خمسين ومائتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.حوادث سنة تسع وأربعين ومائتين:

.ذكر غزو الروم وقتل علي بن يحيى الأرمني:

في هذه السنة غزا جعفر بن دينار الصائفة، فافتتح حصنأن ومطامير، واستأذنه عمر بن عبيد الله الأقطع في المسير إلى بلاد الروم، فأذن له، فسار في خلق كثير من أهل ملطية، فلقيه الملك ف جمع عظيم من الروم بمرج الأسقف، فحاربه محاربة شديدة قتل فيها من الفريقين خلق كثير.
ثم أحاطت به الروم، وهم خمسون ألفأن وقتل عمر وممن معه ألفان من المسلمين في منتصف رجب، فلما قتل عمر بن عبيد اله خرج الروم إلى الثغور الجزرية، وكلبوا عليها وعلى أموال المسلمين وحرمهم، فبلغ ذلك علي ابن يحيى وهوقافل من أرمينية إلى ميافارقين في جماعة من أهلهأن ومن أهل السلسلة، فنفر إليهم، فقتل في نحومن أربع مائة رجل وذلك في شهر رمضان.

.ذكر الفتنة ببغداد:

وفيها شغب الجند والشاكرية ببغداد، وكان سبب ذلك أن الخبر لما اتصل بهم وبسامرا وما قرب منها بقتل عمر بن عبيد الله وعلي بن يحيى، وكانا من شجعان الإسلام، شديداً بأسهمأن عظيماً غناؤهما عن المسلمين في الثغور، شق ذلك عليهم مع قرب مقتل أحدهما من الآخر، وما لحقهم من استعظامهم قتل الأتراك لمتوكل، واستيلائهم على أمور المسلمين يقتلون من يريدون من الخلفاء، ويستخلفون من أحبوا من غير ديانة، ولا نظر للمسلمين.
فاجتمعت العامة ببغداد الصراخ، والنداء بالنفير، وانضم إليها الأبناء، والشاكرية تظهر أنها تطلب الأرزاق، وكان ذلك أول صفر، فتحوا السجون، وأخرجوا من فيهأن وأحرقوا أحد الجسرين وقطعوا الآخر، وانتهبوا دار بشر وإبراهيم ابني هارون، كاتبي محمد بن عبد الله، ثم أخرج أهل اليسار من بغداد وسامرا أموالاً كثيرة، ففرقوها فيمن نهض إلى الثغور، وأقبلت العامة من نواحي الجبال، وفارس، والأهواز، وغيرها لغزوالروم، فلم يأمر الخليفة في ذلك بشيء ولم يوجه عسكره.

.ذكر الفتنة بسامرا:

وفيها في ربيه الأول وثب نفر من الناس لا يدري من هم بسامرأن ففتحوا السجن، وأخرجوا من فيه، فبعث في طلبهم جماعة من الموالي، فوثب العامة بهم فهزموهم، فركب بغا وأتامش ووصيف وعامة الأتراك، فقتلوا من العامة جماعة، فرمي وصيف بحجر، فأمر بإحراق ذلك المكان، وانتهبت المغاربة، ثم سكن ذلك آخر النهار.

.ذكر قتل أتامش:

في هذه السنة قتل أتامش وكاتبه شجاع؛ وكان سبب ذلك أن المستعين أطلق يد والدته، ويد أتامش، وشاهك الخادم في بيوت الأموال، وباحهم فعل ما أرادوأن فكانت الأموال التي ترد من الآفاق يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة؛ فأخذ أتامش أكثر ما في بيوت الأموال، وكان في حجره العباس بن المستعين، وكان ما فضل من هؤلاء الثلاثة أخذه أتامش للعباس فصرفه في نفقاته، وكانت الموالي تنظر إلى الأموال تؤخذ وهم في ضيقة، ووصيف وبغا بمعزل من ذلك، فأغريا الموالي بأتامش، وأحكما أمره، فاجتمعت الأتراك والفراعنة عليه، وخرج إليه منهم أهل الدور والكرخ، فعسكروا في ربيع الآخر، وزحفوا إليه وهوفي الجوسق مع المستعين، وبلغه الخبر، فأراد الهرب، فلم يمكنه، واستجار بالمستعين فلم يجره، فأقاموا على ذلك يومين ثم دخلوا الجوسق، وأخذوا أتامش فقتلوه، وقتلوا كاتبه شجاعأن ونهبت دور أتامش، فأخذوا منه أموالاً جمة وغير ذلك.
فلما قتل استوزر المستعين أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد، وعزل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج، وولاه عيسى بن فرخانشاه، وولي وصيف الأهواز، وبغا الصغير فلسطين، ثم غضب بغا الصغير على أبي صالح، فهرب إلى بغداد، فاستوزر المستعين محمد بن الفضل الجرجرائي، فجعل على ديوان الرسائل سعيد بن حميد، فقال الحمدوني:
لبس السيف سعيد بعدما ** كان ذا طمرين لا توبة له

إن لله لأيات، وذا ** آية له فينا منزله

.ذكر عدة حوادث:

فيها قتل علي بن الجهم بن بدر الشاعر بقرب حلب، كان توجه إلى الثغر، فلقيه خيل لكلب، فقتلوه واخذوا ما معه، فقال وهوفي السياق:
أزيد في الليل ليل ** أم سال في الصبح سيل

ذكرت أهل دجيل ** وأين مني دجيل

وكان منزله بشارع دجيل.
وفيها عزل جعفر بن عبد الواحد عن القضاء، ووليه جعفر بن محمد ابن عثمان البرجمي الكوفي، وقيل كان ذلك سنة خمسين ومائتين.
وفيها أصاب أهل الري زلزلة شديدة ورجفة هدمت الدور، ومات خلق من أهلهأن وهرب الباقون فنزلوا ظاهر المدينة، وحج بالناس هذه السنة عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام، وهووالي مكة.
وفيها سير محمد، صاحب الأندلس، جيشاً مع ابنه إلى المدينة ألبة والقلاع من بلد الفرنج، فجالت الخيل في ذلك الثغر، وغمنت، وافتتحت بها حصوناً منيعة.
وفيها توفي أبوإبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب، صاحب إفريقية، ثالث عشر ذي القعدة، فلما مات ولى أخوه زيادة الله بن محمد بن الأغلب، فلما ولى زيادة الله أرسل إلى خفاجة بن سفيان، أمير صقلية، يعرفه موت أخيه، وأمره أن يقيم على ولايته.

.حوادث سنة خمسين ومائتين:

.ذكر ظهور يحيى بن عمر الطالبي ومقتله:

في هذه السنة ظهر يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المكنى بأبي الحسين، عليه السلام، بالكوفة، وكانت أمه فاطمة بنت الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب، رضي الله عنهم.
وكان سبب ذلك أن أبا الحسين نالته ضيقة، ولزمه دين ضاق به ذرعأن فلقي عمر بن فرج، وهويتولى أمر الطالبيين، عند مقدمه من خراسان، أيام المتوكل، فكلمه في صلته، فأغلظ له عمر القول، وحبسه، فلم يزل محبوساً حتى كفله أهله، فأطلق، فسار إلى بغداد، فأقام بها بحال سيئة، ثم رجع إلى سامرأن فلقي وصيفاً في رزق يجري له، فأغلظ له وصيف وقال: لأي شيء يجري على مثلك.
فانصرف عنه إلى الكوفة، وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان الهاشمي، عامل محمد بن عبد الله بن طاهر، فجمع أبوالحسين جمعاً كثيراً من الأعراب وأهل الكوفة وأتى الفلوجة، فكتب صاحب البريد بخبره إلى محمد بن عبد الله بن طاهر، فكتب محمد إلى أيوب وعبد الله بن محمود السرخسي، عامله على معاون السواد، يأمرهما بالاجتماع على محاربة يحيى ابن عمر، فمضى يحيى بن عمر إلى بيت مال الكوفة يأخذ الذي فيه، وكان فيما قيل ألفي دينار وسبعين ألف درهم، وأظهر أمره بالكوفة، وفتح السجون واخرج من فيهأن وأخرج العمال عنهأن فلقيه عبد الله بن محمود السرخسي فيمن معه، فضربه يحيى بن عمر ضربة على وجهه أثخنه بهأن فانهزم عبد الله، واخذ أصحاب يحيى ما كان معهم من الدواب والمال.
وخرج يحيى إلى سواد الكوفة، وتبعه جماعة من الزيدية، وجماعة من أهل تلك النواحي إلى ظهر واسط، وأقام بالبستان، فكثر جمعه، فوجه محمد بن عبد الله إلى محاربته الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسين بن مصعب في جمع من أهل النجدة والقوة، فسار إليه، فنزل في وجهه لم يقدم عليه، فسار يحيى والحسين في أثره، حتى نزل الكوفة ولقيه عبد الرحمن ابن الخطاب المعروف بوجه الفلس، قبل دخولهأن فقاتله، وانهزم عبد الرحمن إلى ناحية شاهي، ووافاه الحسين، فنزلا بشاهي.
واجتمعت الزيدية إلى يحيى بن عمر، ودعا بالكوفة إلى الرضي من آل محمد، فاجتمع الناس إليه وأحبوه، وتولاه العامة من أهل بغداد، ولا يعلم أنهم يولون أحداً من بيته سواه، وبايعه جماعة من أهل الكوفة ممن له تدبير وبصيرة في تشيعهم، ودخل فيهم أخلاط لا ديانة لهم.
وأقام الحسين بن إسماعيل بشاهي، واستراح، واتصلت بهم الأمداد، وأقام يحيى بالكوفة يعد العدد، ويصلح السلاح، فأشار عليه جماعة من الزيدية، من لا علم لهم بالحرب، لمعالجة الحسين بن إسماعيل، وألحوا عليه، فزحف إليه ليلة الاثنين عشرة خلت من رجب، ومعه الهيضم العجلي وغيره، ورجالة من أهل الكوفة ليس لهم علم ولا شجاعة، وأسروا ليلتهم، وصبحوا الحسين وهومستريح، فثاروا بهم في الغلس، وحمل عليهم أصحاب الحسين فانهزموأن ووضعوا فيهم السيف، وكان أول أسير الهيضم العجلي، وانهزم رجالة أهل الكوفة، وأكثرهم بغير سلاح، فداستهم الخيل.
وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر، وعليه جزشن، قد تقطر به فرسه، فوقف عليه ابن لخالد بن عمران، فقال له: خير، فلم يعرفه، وظنه رجلاً من أهل خراسان لما رأى عليه الجوشن، فأمر رجلأن فنزل إليه، فاخذ رأسه، وعرفه رجل كان معه، وسير الرأس إلى محمد بن عبد الله بن طاهر، وادعى قتله غير واحد، فسير محمد الرأس إلى المستعين، فنصب بسارما لحظة، ثم حطه، ورده إلى بغداد لينصب بهأن فلم يقدر محمد على ذلك لكثرة من اجتمع من الاس، فخاف أن يأخذوه فم ينصبه، وجعله في صندوق في بيت السلاح.
ووجه الحسين بن إسماعيل برؤوس من قتل، وبالأسرى، فحبسوا ببغداد، وكتب محمد بن عبد الله يسأل العفوعنهم، فأمر بتخليتهم، وأن تدفن الرؤوس ولا تنصب، ففعل ذلك.
ولما وصل الخبر بقتل يحيى جلس محمد بن عبد الله يهنأ بذلك، فدخل عليه داود بن الهيثم أبوهاشم الجعفري، فقال: أيها الأمير! إنك لتهنأ بقتل رجل لوكان رسول الله، صلى اله عليه وسلم، حياً ليعزي به. فما رد عليه محمد شيئأن فخرج داود وهويقول:
يا بني طاهر كلوه وبيئاً ** إن لحم النبي غير مري

إن وتراً يكون طالبه الل ** ه لوتر نجاحه بالحري

وأكثر الشعراء مراثي يحيى لما كان عليه من حسن السيرة والديانة، فمن ذلك قول بعضهم:
بكت الخيل شجوها بعد يحيى ** وبكاه المهند المصقول

وبكته العراق شرقاً وغرباً ** وبكاه الكتاب والتنزيل

والمصلى والبيت والركن والحج ** ر جميعاً له عليه عويل

كيف لم تسقط السماء علينا ** يوم قالوا: أبوالحسين قتيل

وبنات النبي يبدين شجواً ** موجعات دموعهن همول

قطعت وجهه سيوف الأعادي ** بأبي وجهه الوسيم، الجميل

إن يحيى أبقى بقلبي غليلاً ** سوف يودي بالجسم ذاك الغليل

قتله مذكر لقتل علي ** وحسين، ويوم أوذي الرسول

صلوات الإله وقفاً عليهم ** ما بكى موجع وحن ثكول

.ذكر ظهور الحسن بن زيد العلوي:

وفيها ظهر الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، بطبرستان. وكان سبب ظهوره أن محمد بن عبد الله بن طاهر لما ظفر بيحيى بن عمر أقطعه المستعين من ضواحي السلطان بطبرستان قطائع منها قطيعة قرب ثغر الديلم، وهما كلار وشالوس، وكان بحذائهما أرض يحتطب منها أهل تلك الناحية، وترعى فيها مواشيهم، ليس لأحد عليها ملك، إمنا هي موات، وهي ذات غياض، وأشجار، وكلأن فوجه محمد بن عبد الله نائبه لحيازة ما أقطع، واسمه جابر بن هارون النصراني، وعامل طبرستان يومئذ سليمان ابن عبد الله بن طاهر بن عبد الله بن طاهر خليفة محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر، وكان الغالب على أمر سليمان محمد بن أوس البلخي، وقد فرق محمد هذا أولاده في مدن طبرستان، وهم أحداث سفهاء، فتأذى بهم الرعية وشكوا منهم، ومن أبيهم، ومن سليمان سوء السيرة.
ثم إن محمد بن أوس دخل بلاد الديلم، وهم مسالمون لأهل طبرستان، فسبى منهم وقتل، فساء ذلك أهل طبرستان، فلما قدم جابر بن هارون لحيازة ما أقطعه محمد بن عبد الله، عمد فحاز فيه ما اتصل به من ارض موات يرتفق بها الناس، وفيها حاز كلار وشالوس.
وكان في تلك الناحية يومئذ أخوان لهما بأس ونجدة يضبطنها ممن رامها من الديلم، مذكوران بإطعام الطعام والإفضال، يقال لأحدهما محمد، وللآخر جعفر، وهما ابنا رستم، فأنكر ما فعل جابر من حيازة الموات، وكانا مطاعين في تلك الناحية، فاستنهضا من أطاعهما لمنع جابر من حيازة ذلك الموات، فخافهما جابر، فهرب منهمأن فلحق بسليمان بن عبد الله، وخاف محمد وجعفر ومن معهما من عامل طبرستان، فراسلوا جيرانهم من الديلم يذكرونهم العهد الذي بينهم ويتعذرون فيما فعله محمد بن أوس بهم من السبي والقتل، فاتفقوا على المعاونة والمساعدة على حرب سليمان بن عبد الله وغيره.
ثم أرسل ابنا رستم ومن وافقهما إلى رجل من الطالبيين اسمه محمد بن إبراهيم، كان بطبرستان، يدعونه إلى البيعة له، فامتنع عليهم، وقال: لكني أدلكم على رجل منا هوأقوم بهذا الأمر مني، فدلهم على الحسن بن زيد، وهوبالري، فوجهوا إليه، عن رسالة محمد بن إبراهيم، يدعونه إلى طبرستان، فشخص إليهأن فأتاهم وقد صارت كلمة الديلم وأهل كلار وشالوس والرويان على بيعته، فبايعوه كلهم، وطردوا عمال ابن أوس عنهم، فلحقوا بسليمان ابن عبد الله، وانضم إلى الحسن بن زيد أيضاً جبال طبرستان كأصمغان، وقادوسيان، وليث بن قتاد، وجماعة من أهل السفح.
ثم تقدم الحسن ومن معه نحومدينة آمل، وهي أقرب المدن إليهم، واقبل ابن أوس من سارية ليدفعه عنهأن فاقتتلوا قتالاً شديدأن وخالف الحسن بن زيد في جماعة إلى آمل فدخلها.
فلما سمع ابن أوس الخبر، وهومشغول بحرب من يقاتله من أصحاب الحسن بن زيد، لم يكن له همة إلا النجاء بنفسه، فهرب، ولحق بسليمان إلى سارية، فلا استولى الحسن على آمل كثر جمعه، وأتاه كل طالب نهب وفتنة، وأقام بآمل أيامأن ثم سار نحوسارية لحرب سليمان بن عبد الله فخرج إليه سليمان، فالتقوا خارج مدينة سارية، ونشبت الحرب بينهم، فسار بعض قواد الحسن نحوسارية فدخلهأن فلما سمع سليمان الخبر انهزم هوومن معه، وترك أهله وعياله وثقله وكل ما له بسارية، واستولى الحسن وأصحابه على ذلك جميعه، فأما الحرم والأولاد فجعلهم الحسن في مركب وسيرهم إلى سليمان بجرجان، وأما المال فكان قد نهب وتفرق.
وقيل إن سليمان انهزم اختياراً لأن الطاهرية كلها كانت تتشيع، فلما أقبل الحسن بن زيد إلى طبرستان تأثم سليمان من قتاله لشدته في التشيع، وقال:
نبئت خيل ابن زيد أقبلت حيناً ** تريدنا لتحسينا الأمرينا

يا قوم إن كانت الأنباء صادقة ** فالويل لي ولجميع الطاهريينا

أما أنا فإذا اصطفت كتائبنا ** أكون من بينهم رأس الموالينا

فالعذر عند رسول الله منبسط ** إذا احتسبت دماء الفاطميينا

فلما التقوا انهزم سليمان؛ فلما اجتمعت طبرستان للحسن وجه إلى الري جنداً مع رجل من أهله، يقال له الحسن بن يزيد أيضأن فملكهأن وطرد عنها عامل الطاهرية، فاستخلف بها رجلاً من العلويين يقال له محمد بن جعفر، وانصرف عنها.
وورد الخبر على المستعين، ومدير أمره يومئذ وصيف، وكاتبه أحمد بن صالح بن شيرزاد، فوجه إسماعيل بن فراشة في جند إلى همذان، وأمره بالمقام بها ليمنع خيل الحسن عنهأن وأما ما عداها فإلى محمد بن عبد الله بن طاهر وعليه الذب عنه.
فلما استقر محمد بن جعفر الطالبي بالري ظهرت أمور كرهها أهل الري، ووجه محمد بن طاهر بن عبد الله قائداً من عنده يقال له محم ين ميكال في جمع من الجند إلى الري، ووهوأخوه الشاه بن ميكال، فالتقى هوومحمد بن جعفر الطالبي خارج الري، فأسر محمد بن جعفر، وانهزم جيشه، ودخل ابن ميكال الري، فأقام بهأن فوجه الحسن بن زيد عسكراً عليه قائد يقال له واجن، فلما صار إلى الري خرج إليه محمد بن ميكال، فالتقوأن فاقتتلوأن فانهزم ابن ميكال، والتجأ إلى الري معتصماً بهأن فاتبعه واجن وأصحابه حتى قتلوه، وصارت الري إلى أصحاب الحسن بن زيد.
فلما كان هذه السنة يوم عرفة ظهر بالري أحمد بن عيسى بن حسين الصغير ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي اله عنه، وإدريس ابن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فصلى أحمد بن عيسى بأهل الري صلاة العيد، ودعا للرضى من آل محمد، فحاربه محمد بن علي بن طاهر فانهزم محمد بن علي وسار إلى قزوين.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها غضب المستعين على جعفر بن عبد الواحد لأنه بعث إلى الشاكرية، فزعم وصيف أنه أفسدهم، فنفي إلى البصرة في ربيع الأول.
وفيها أسقطت مرتبة من كانت له مرتبة في دار العامة من بني أمية كأبي الشوارب والعثمانيين، وأخرج الحسن بن الأفشين من الحبس.
وفيها عقد لجعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى المعروف ببشاشات على مكة.
وفيها وثب أهل حمص، وقوم من كلب، بعاملهم، وهوالفضل بن قارن أخومازيار بن قارن، فقتلوه، فوجه المستعين إلى حمص موسى بن بغا في رمضان، فلقيه أهلها فيما بين حمص والرستن، وحاربوه، فهزمهم، وافتتح حمص، وقتل من أهلها مقتلة عظيمة، وأحرقها وأسر جماعة من أهلها الأعيان.
وفيها مات جعفر بن أحمد بن عمار القاضي وأحمد بن عبد الكريم الحوراني التيمي، قاضي البصرة.
وفيها ولي أحمد بن الوزير قضاء سامرا. وفيها وثب الشاكرية والجند بفارس بعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم، فانتبهوا منزله، وقتلوا محمد بن الحسن بن قارن، وهرب عبد الله بن إسحاق.
وفيها وجه محمد بن طاهر بفيلين وأصنام أتي بها من كابل، وحج بالناس جعفر بن الفضل بشاشات، وهووالي مكة.
وفيها توفي زيادة الله بن محمد بن الأغلب، أمير إفريقية، وكانت ولايته سنة واحدة وستة أيام فلما مات ملك بعده ابن أخيه محمد بن أبي إبراهيم أحمد بن محمد بن الأغلب.
وفيها توفي محمد بن الفضل الجرجرائي، وزير المتوكل، والفضل بن مروان، وزير المعتصم، وكان موته بسر من رأى؛ والخليع الشاعر الحسين ابن الضحاك، وكان مولده سنة اثنتين وستين ومائة، وهومشهور الأخبار والأشعار.
وفيها توفي الحارث بن مسكين قاضي مصر في ربيع الأول، وهومن ولد أبي بكر الثقفي؛ ونصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي الحافظ.
وفيها توفي أبوحاتم سهل بن محمد السختياني اللغوي، روى عن أبي زيد، والأصمعي، وأبي عبيدة، وقيل توفي سنة خمسين، والله تعالى بالغيب أعلم.

.حوادث سنة إحدى وخمسين ومائتين:

.ذكر قتل باغر التركي:

وفي هذه السنة قتل باغر التركي، قتله وصيف وبغا.
وكان سبب ذلك أن باغراً كان أحد قتلة المتوكل، فزيد في أرزاقه، فأقطع قطائع، فكان مما أقطع قرى بسواد الكوفة، فتضمنها رجل من أهل باروسما بألفي دينار، فوثب رجل من أهل تلك الناحية، يقال له ابن مارمة، بوكيل لباغر، وتناوله، فحبس ابن مارمة، وقيد، ثم تخلص، وسار إلى سامرأن فلقي دليل بن يعقوب النصراني، وهويومئذ صاحب أمر بغا الشرابي والحاكم في الدولة، وكان ابن مارمة صديقاً له، وكان باغر أحد قواد بغأن فمنعه دليل من ظلم أحمد بن مارمة، فانتصف له منه، فغضب باغر وباين دليلاً.
وكان باغر شجاعاً يتقيه بغا وغيره، فحضر عند بغا في ذي الحجة من سنة خمسين وهوسكران، وبغا في الحمام، فدخل إليه وقال: من قتل دليلاً يقتل له؛ فقال له بغا: لوأردت ولدي ما منعتك منه. ولكن اصبر. فإن أمور الخلافة بيد دليل، وأقيم غيره، ثم افعل به ما تريد.
وأرسل بغا إلى دليل يأمره ألا يركب، وعرفه الخبر، وأقام في كتابته غيره، وتوهم باغر أنه قد عزله، فسكن بغر، ثم أصلح بينهما بغأن وباغر يتهدده، ولزم باغر خدمه المستعين، فقيل ذلك للمستعين.
فلما كان يوم نوبة بغا في منزله قال المستعين: أي شيء كان إلى إيتاخ من الخدمة؟ فأخبره وصيف، فقال: ينبغي أن تجعل هذه الأعمال إلى باغر. وسمع دليل ذلك، فركب إلى بغا فقال له: أنت في بيتك، وهم في تدبير عزلك، فإذا عزلت قتلت.
فركب بغا إلى دار الخليفة في يومه، وقال لوصيف: أردت أن تعزلني؟ فحلف أنه ما علم ما أراد الخليفة، فتعاقدا على تنحية باغر من الدار والحيلة عليه، فأرجفا له أنه يؤمر، ويخلع عليه، ويكون موضع بغا ووصيف؛ فأحس باغر ومن معه بالشر، فجمع إليه الجماعة الذين كانوا بايعوه على قتل المتوكل، ومعهم غيرهم، فجدد العهد عليهم في قتل المستعين وبغا ووصيف، وقال: نبايع على ابن المعتصم، أوابن الواثق، ويكون الأمر لنا كما هولهذين، فأجابوه إلى ذلك.
وانتهى الخبر إلى المستعين، فبعث إلى بغا ووصيف، وقال لهما: أنتما جعلتماني خليفة، ثم تريدان قتلي؟ فحلفا أنهما ما علما بذلك، فأعلمهما الخبر، فاتفق رأيهم باغر ورجلين من الأتراك معه، وحبسهم، فأحضروا باغراً فأقبل في عدة، فعدل به إلى حمام وحبس فيه.
وبلغ الخبر الأتراك، فوثبوا إلى اصطبل الخليفة، فانتهبوه وركبوا ما فيه، وحصروا الجوسق بالسلاح، فأمر بغا ووصيف بقتل باغر فقتل.

.ذكر مسير المستعين إلى بغداد:

فلما قتل باغر وانتهى خبر قتله إلى الأتراك المشغبين أقاموا على ما هم عليه، فانحدر المستعين وبغا ووصيف وشاهك الخادم واحمد بن صالح بن شيرزاد ودليل إلى بغداد في حراقة؛ فركب جماعة من قواد الأتراك إلى هؤلاء المشغبين فسألوهم الانصراف، فلم يفعلوأن فلا علموا بانحدار المستعين وبغا ووصيف ندموأن ثم قصدوا دار دليل، ودور أهله وجيرانه، فنهبوهأن حتى صاروا إلى أخذ الخشب وعليق الدواب؛ فلما قدموا بغداد مرض ابن مارمة، فعاده دليل وقال له: ما سبب علتك؟ قال: انتقض عقر القيد؛ فقال دليل: لئن عقرك القيد لقد نقضت الخلافة، وبغيت الفتنة؛ ومات ابن مارمة في تلك الأيام، وقال بعض الشعراء في ذلك:
لعمري لئن قتلوا باغراً ** لقد هاج باغر حرباً طحوناً

وفر الخليفة والقائدا ** ن بالليل يلتمسان السفينا

وصاحوا بميسان ملاحهم، ** فوافاهم يسبق الناظرينا

فألزمهم بطن حراقة ** وصوت مجاذيفهم سائرينا

وما كان ثدر ابن مارمة ** فتكسب فيه الحروب الديونا

ولكن دليل سعى سية ** فأخزى الإله بها العالمينا

فحل ببغداد قبل الشروق ** فحل بها منه ما يكرهونا

فليت السفينة لم تأتنا ** وغرقها الله والراكبينا

وأقبلت الترك والمعربون ** وجاء الفراغنة الدارعينا

تسير كراديسهم في السلاح ** يرجون خيلاص ورجلاً بنينا

فقام بحربهم عالم ** بأمر الحروب تولاه حينا

فجدد سوراً على الجانبي ** ن حتى أطاحهم أجمعينا

وأحكم أبوابها المصمتات ** تفت النفوس وتحمي العرينا

ومنع الأتراك الناس من الانحدار إلى بغداد، وأخذوا ملاحاً قد أكرى سفينته، فضربوه، وصلبوه على دقلهأن فامتنع أصحاب السفن من الانحدار إلا سراً. وكان وصول المستعين إلى بغداد لخمس خلون من المحرم من هذه السنة، فنزل على محمد بن عبد الله بن طاهر في داره، ثم وافى بغداد القواد، سوى جعفر الخياط، وسليمان بن يحيى بن معاذ، وقدمها جلة الكتاب والعمال وبني هاشم، وجماعة من أصحاب بغا ووصيف.